إنهم يعشقون علي الورق وليس فيهم من جَرَّبَ واحترق!
يدمغنا الخواء، حين تستبد بنا شهوة أن نتكلم وأن نطالب الآخرين بأن ينصتوا إلينا، مع أننا لا نعرف شيئا عن الموضوع الذي انطلقنا للكلام فيه أو أننانعرف عنه القليل ونجهل الكثير، ففي هذه الحالة تواجهنا نظرات الساخرين وهمسات المتهكمين علي ما نتصور أنه درر ولآليء لابد أن نهديها – ولو بالقوة – لسوانا ممن يسمعون!.
ما ينطبق على الذين يتكلمون لمجرد الكلام، ولكي يفرضوا على سواهم أن يصغوا إليهم، ينطبق على الشعراء الذين لم تنصهر أرواحهم في تجارب حياتية أو حتيفي تجارب متمثلة، ومع هذا نراهم يكتبون – بكل جرأة – عن هذه التجارب التي سمعواعنها من سواهم، لكنها لم تطرق أبواب قلوبهم أبدا، فهم يريدون أن يكتبوا كأن الكتابةوسيلة للتسلي والتلهي وليست وليدة معاناة حقيقية، لا نتخفف من وطأتها إلا إذاأطلقناها في هيئة قصائد عميقة وصادقة، ولهذا السبب، فإني أعترف بأني أضحك كلماتذكرت سخرية المتنبي العظيم من الشعراء الذين يكتبون عن الحب، دون أن يكونوا قدعرفوه، حيث يقول:
إذا كانَ مدحٌ فالنسيب المقَّدمُ…….أكل فصيحٍ قال شعراقيم؟!
أمثال هؤلاء يعشقون ولكن علي الورق، ودون أن يكون فيهم من جرب نارالعشق فاحترق، أما الذين لا يكتبون إلا إذا كان لديهم ما يقولونه، فإن قصائدهم تظل متوقدة ومتجددة حتي لو مرت عليها قرون من الزمان، وهذا ما يمكننا أن نلمسه اليومإذا قرأنا لامية العجم للطغرائي، كما نلمسه في القصائد التي كتبها شعراء نحبهم،لأنهم خلال حياتهم أحبوا وجربوا فأبدعوا، ويكفي أن نقرأ علي سبيل المثال قصيدةصلوات في هيكل الحب لأبي القاسم الشابي أو قصيدة غريب علي الخليج لبدر شاكر السيابأو وحدي مع الأيام لفدوي طوقان، لكي ندرك أن هؤلاء الشعراء الكبار قد احترقواحياتيا أولا، ثم صوروا كيف احترقوا بعد ذلك، وبالتأكيد فإن القاريء المتذوق المرهفيستطيع أن يميز بين هؤلاء وسواهم من الذين يعشقون علي الورق، دون أن يكون فيهم منجرب نار العشق فاحترق!.
حسن توفيق