قال تعالى((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))(185)البقرة.
نلاحظ هنا أن المضاف قد حُذف من الاية،والتقدير:فمن شهد منكم هلالَ الشهرِ فليصمه.وقد جاء الحذف في قمة البلاغة وتفنيد ذلك كما يلي:
1- المضاف:نسبة اسم الى اخر بقصد التعريف به،أي ليصبح معرفة،على نحو قوله تعالى:(( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّه لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ))19التوبة .فقد عُرِّفت السقايةُ (بالحاج)،و(عمارةِ)بالمسجد الحرام،(وسبيلِ) بالله.ومثل قوله تعالى((قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ))50 غافر.فقد عُرف (دعاءُ)بالكافرين .وعلى نحو قوله تعالى:(( فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ ولَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ))106 (المائدة) .فقد عُرفتْ(مصيبةُ)بالموت،وعرفت(شهادةَ)بالله.وهكذا دواليك
2- معنى ذلك أن المضاف يكون نكرة ،فإذا أضيف إلى معرفة صار معرفة،أي أن المضاف إليه دليل عليه(يدل عليه بالتعريف)لأنه يُنسب إليه.ولذلك فقد حذف المضاف(هلالَ)من الاية ،لان المضاف إليه(الشهرِ) ليس دليلا على الهلال،بل العكس هو الصحيح،أي أن الهلال دليل على الشهر وليس الشهر دليلا على الهلال فالشهر القمري يبدأ ويدخل برؤية الهلال،قال تعالى:(( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39((يس،وقال تعالى:))
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" ))(البقرة:189)
3- فلو ذكره (المضاف)لكان الهلال مُعرَّفاً بالشهر،ولكن الواقع أن الشهر يُعْرفُ بالهلال ،فتنكسر القاعدة النحوية.
4- وكذلك حذف المضاف(هلال)لأن هلال الشهر(رمضان)-أو غيره من الاشهر-قد لا يرى بسسب الاحوال الجوية ،عندها علينا ان نتم عدة شعبان ثلاثين يوما،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم فأكملوا عدة شبعان ثلاثين). [متفق عليه: البخاري.ولو ذكره في الاية(الهلال) لكان لزاما علينا رؤيته،مع أن احتمالية عدم رؤيته واردة،كما في الحديث الشريف.
5- ومعنى ذلك أن (شهد)في الاية ليست بمعنى حضر كما يتوهم كثير ممن فسرها،بل هي من قبيل الرؤيا لأن الهلال يُرى بالعين فالفعل شهد فيها هو من مثل قوله تعالى ))قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)يوسف.فشهد هنا من المشاهدة،أي المعاينة، لان الشاهد-من أهلها-شاهدُ على أن القميص قُد من دُبر حين راه راي العين. وقد جاء في معجم لسان العرب في مادة(شهد):شهد فلان على فلان بحق،فهو شاهد وشهيد،والمشاهدة:المعاينة،وأصل الشهادة:الإخبار بما شاهده.
وليس الفعل(شهد) بمعنى الحضور ،وذلك لأنها لو كانت بمعنى(حضرَ) لكان فيها معنى المخالفة واردا لوجود الشرط شرط رؤية الهلال لبدء الصيام،فانظر الى قوله تعالى:((فمن شهد منكم الشهر فليصمه))فما حال من لم يشهده ،لا جواب إلا أن يكون ميتا،لأن المسلم عليه أن يصوم رمضان فرضا على التعيين بمجرد دخول شهر رمضان أينما كان مكان إقامته، ومفهوم المخالفة موجود في علم الفقه،قال تعالى:(( وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ (6)الطلاق.فمفهوم المخالفة إن لم يرضعن لكم(المطلقات من نسائكم) فلا تعطوهن أجرا.وعلى نحو قوله تعالى:(( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيم]((النور: 33)وعليه فإن الهلال يكون سببا في وجود الصيام أي دخول شهر رمضان ،تماما كأوقات الصلوات سببا في وجوب الصلاة،لان السبب:ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم.
6-وقد ورد عن النبي-عليه السلام-انه أخذ بشهادة واحد من المسلمين في رؤية الهلال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابياً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟) فقال: نعم، قال: (فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً).
وعلى ذلك فإن (من شهد)هي بمعنى(من رأى)فمطلوب من كل مسلم تحري رؤية الهلال أينما كان ليبدا الصيام لانه فرض على التعيين.ولكن تكفي شهادة الواحد كما في الحديث الشريف.
7-كما أنه حذف(هلال)َمن الاية،حتى لا يعود الضمير في(فليصمه) على (هلال)فيما لو ذُكرت في الاية،لان الصيام يكون للشهر،وليس للهلال،وهذه لفتة أخرى في قمة البلاغة.
وبعد أرأيتم كم في هذه الاية من وجوه البلاغة اللافتة!
8-وما دام الامر متعلقا بالرؤيا كما بينا- بالعين أو بأي وسيلة تساعد في الرؤيا كالتلسكوب مثلا – فتسقط ما تسمى بالحسابات الفلكية واختلاف المطالع.
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب هموننا وجلاء أحزاننا،وارزقنا تلاوته وتأويله اناء الليل واطراف النهار.
بقلم الشاعر:داود العرامين/فلسطين
بلاغة القرآن الكريم فاقت بلاغة العرب
فسبحان الذي انزل الفرقان ليكون للعالمين نذيرا
طرح رائح كروعة ذائقتك
سلمت اناملك اخي
لا عدمنا جديدك
ودي
شكرا لكل من مر على الموضوع
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنة أن شاء الله
دمت في حفظ الله