تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ما أخذ من عمرك يبعدك عن العمل

ما أخذ من عمرك يبعدك عن العمل 2024.

  • بواسطة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

على الإنسان أن يتنبه إلى أن الذي أخذ من عمره ما أخذ، إنه يباعده عن العمل ويقربه من الأجل. فإن هذه الأيام والليالي مراحل لا تزال بالإنسان حتى تورده القبر، قال الحسن البصري رحمه الله: ما من يوم ينشق فجره إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة. هذا هو حقيقة ما تقوله الأيام والليالي. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها فإن الإنسان يتذكر في هذه المناسبة وجوب الاستعداد للموت، وتذكر القبر والبلاء وألا يغفل الإنسان: كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك والقبر فإن من مضى، أخبارهم في الكتب والدواوين وعلى أفواه الرجال، أما من تراهم وتعاينهم فهم بين عينيك، يوماً بعد يوم يفقد الناس راحلاً إلى القبر، قد انقضت أيامه وتصرمت ساعاته وأعوامه، وانقضى أجله وارتهن بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

فرحم الله امرءاً تنبه لنفسه، وتذكر أنه يمر عليه اليوم بعد اليوم، والعام بعد العام، حتى يقال: فلان مات، ولو نظرنا -أيها الأحبة- في عدد الحضور الآن، وقدرناهم بثلاثمائة أو أربعمائة إنسان أو أقل أو أكثر، وهؤلاء الأربعمائة لو قدر للإنسان أن يطلع على ما كتب لهم في مقاديرهم وآجالهم؛ لربما وجدنا من بيننا من كتب أنه سيموت هذا الأسبوع، ومنا من كتب أنه سيموت هذا الشهر، ومنا من كتب أنه سيموت هذه السنة، ومنا من كتب أنه سيموت في هذا العقد، ولا شك في هذا مطلقاً ولا بد منه، لكن من يدري: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [يونس:20] لكن على العاقل أن يفترض أن الأمر سيقع به هو: فحذار حذار من التفريط والتسويف والإهمال والتعلق بالآمال، فإنها لا تغني عن العبد شيئاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبه وقال له: كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل} والغريب: هو إنسان أتى إلى بلد يريد أن يقيم فيها أسبوعاً أو أسبوعين ثم يرتحل، فهل عهدتم أن الغريب يشتري بيتاً فخماً وسيارة فخمة، ويتوظف ويعمل ويشتغل ويبني ويمد الحبال الطويلة؟ كلا! بل الغريب يقتصر على الأشياء اليسيرة، ولو أتيت إلى إنسان في رمضان -مثلاً- أو في الحج فتقول له: يا أخي استأجر بيتاً وأثث هذا البيت وافرشه وضع فيه مكيفات وثلاجات وغسالات. فسوف يضحك عليك ويقول: يا سبحان الله! كأنني سوف أجلس سنة أو سنتين، كل مقامي في مكة شهر أو أسبوع أو أسبوعان ثم أغادر. ثم أضربَ عن ذلك عليه السلام وقال: {أو عابر سبيل} وعابر السبيل ربما كان أشد من الغريب؛ لأن الغريب قد يجلس فترة، لكن عابر السبيل لا يجلس إلا يوماً أو أقل من ذلك، ثم يستمر في طريقه وسفره، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك]].

وفيما يتعلق بقصر الأمل وتذكر الأجل والاستعداد للموت، أذكركم بأربعة أمور: أولاً: وجوب الإسراع بالتوبة؛ فإن العبد لا يدري متى يحال بينه وبينها. ثانياً: وجوب رد المظالم إلى أهلها؛ فإن العبد إذا مات حيل بينه وبين ذلك، ويلقى الله عز وجل بحقوق الناس. ثالثاً: الحزم بالأعمال الصالحة؛ فلا تؤجل وتؤخر وتقول: غداً أعمل وبعد غد أعمل، يقول بعض السلف: [[أنذرتكم سوف]] فالأعمال الآن التي تستطيع أن تعملها فاعلمها الآن، أما المستقبل فدعه ولا تنتظر شيئاً في المستقبل. رابعاً: كتابة الوصية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها؛ وهو أن يكتب الإنسان وصية، ولا شك أن من كان عليه حقوق للناس يجب عليه أن يوصي بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلة إلا ووصيته عنده مكتوبة}. فيا أخي الحبيب! إذا انصرفت من مجلسك هذا فأحضر ورقة وقلماً واكتب وصيتك، كما كتب الصالحون وصاياهم، واكتب مالك وما عليك، وأوص أهلك وزوجتك وأولادك بتقوى الله عز وجل، واذكر ما عليك من الحقوق، وما تريد أن توصي به، واحذر من التسويف؛ فكم من إنسان كان يريد أن يوصي لكنه حيل بينه وبين الوصية، كان يريد أن يوصي بثلث ماله لكن لم يوص، فحيل بينه وبين ذلك وأصبح ماله كله للورثة.

واعلموا -بارك الله في وفيكم- أنه لا بد لنا من معرفة الأمور على حقيقتها فالواحد منا إذا نـزل به المرض أن يقول: الآن يا ليت، يقول ابن الجوزي رحمه الله: إن الإنسان -أحياناً- إذا أصابه أمر يعتقد أنه الموت الحق، فينكشف له عند ذلك أمور كثيرة، ويريد أن يعمل ويشتغل ويُكَفِّر ويستدرك، لكن إذا عافاه الله تعالى وشفاه ومد له في هذه الدنيا نسي ما كان يقول من قبل. ويقول بعض المعلقين على هذا الكتاب: حصل لي ذلك مرتين؛ مرة كنت في نهر فكدت أن أغرق، فتغيرت الأمور في عيني، سبحان الله! وقلت: إن أعطيت عمراً فسأفعل كذا وأفعل كذا، ومرة أخرى وقع له نظير ذلك. يقول: ولو استمررت على ما كنت عليه لكنت من الصالحين، أما الآن فيقول: لا أكاد أن أستنشق ذلك الأنس ولا مجرد استنشاق. لا يكاد يتذكر ذلك. فإن العبد -حتى الكافر- إذا نـزل به الأجل عرف الأمور على حقيقتها، ولذلك من دعاء بعض الصالحين أنه كان يقول: اللهم إني أسألك أن تريني الأمور على ما هي عليه. يقول بعض الواعظين: وهذا الدعاء يدل على عظيم فقهه، ولو عرفتم الأمور على ما هي عليه، لتغيرت أشياء كثيرة في حياتنا، فمثلاً: هذه الدنيا التي أخذت جزءاً كبيراً من جهدنا ووقتنا وتفكيرنا وعرقنا، هل عرفناها على ما هي عليه؟ كلا! متى نعرفها على ما هي عليه؟ نعرفها على ما هي عليه إذا وقعنا في المصيدة وفي الفخ، فهنا عاد تقييم الإنسان من جديد، وبدأ ينظر في هذه الدنيا، ويغضب ويمقت نفسه حتى لو استطاع أن يقتلها قبل أجلها لفعل من شدة مقته لها، لكن ليس هناك فائدة، فقد فات الأوان. إذن فليحرص الإنسان على أن يعرف الأمور على ما هي عليه، فمثلاً: الشهرة؛ فكثير من الناس يركض وراء الشهرة ويسعى إليها ويحرص عليها ويفرح بها، حتى من الصالحين، ولو عرف الأمور على ما هي عليه لأدرك أن هذا لا يغني عنه من الله شيئاً، وحينما يكون في حال الاحتضار، فوالله إن الناس كلهم عنده أمثال النمل لا يأبه بهم ولا يكترث، فلا يفرح بمدح المادحين ولا يحزن لقدح القادحين، ولا يفرق بين عدو ولا صديق، ولا يكترث لقريبٍ ولا بعيد، قد شغله ما هو فيه عن أمر الناس. فإنا نقول: اللهم إنا نسألك أن ترينا الأمور على ما هي عليه. واجعل هذا من دعائك الذي تدعوا به في المناسبات.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.

للشيخ / سلمان العودة

الإطلاع على الكتب القيمة وأطروحات العلماء والمشائخ
من أهم الروافد للتحصين العلمي الديني …

وأنا أغبطك على متابعة هؤلاء النجوم من علمائنا …

مميزة دائماً .

جزاك الله كل خير
واثقل به ميزان حسناتكـ
واثابكـ بما نقلته هنا

دمت بخير

بارك الله فيك وفي جهدك

ووو

جزاااااااك الله جنة الفردوس

الله يعطيك العافي
ولا عدمناك

فحذار حذار من التفريط والتسويف والإهمال والتعلق بالآمال،

الله عليكى اليقين
بالفعل كلمات فى الصميم

جزاكى الله كل خير غرام

::

:

جزاك الله خير يالغاليه على الطرح الراائع والقيم,,,

وجعله في ميزان حسناتك أن شاء الله,,,,

دمتي بحفظ الرحمن,,,

وتقبلي مروري

:

::

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.