رمضانُ ناموسُ الحُسنِ، وقانون اليسر، وبِساط الأنس، وجناح السعد، ودليل الوَجد، وعنوان التحرر من أوضار الأرض والتلبس بجمال السماء؛ فيه يصير العبد إمامًا على الملائكة، وبين ثناياه يتحوَّل الناسك قائدا لجحافل الكتبة البررة، يخدمونه – وهو الصائم الصابر – غدوًّا ورواحا، ثم يفرشون له الطرقات “أهلا وسهلا” بالعشي والإبكار؛ حتى ليختلط عليه الأمر، فلا يدري أهو من سكَّان هذه المعمورة ومن عُمار هذه الأوحال، أم أنه صار واحدا من أولئك المحتفى بهم في الملأ الأعلى، المباهَى بجمالهم وجلالهم من فوق سبع سموات…
لا يدري؟
أخي الذي طال فقدي له، وطال وجدي إليه،
صديقي الذي أذكره حين أهيم، وأذكره حين أهفو،
حبيبي الذي تقطَّر دم الجوى من مهجتي، فداءً لمحياه،
إلى أولئكم جميعا، أودِع ظرفا صغيرا أمواجَ المحيطات، وأحمِّل كلمات رجراجة أعتى الأعاصير، وأوقظ في العالم ضميره ليشهد على ما أقول…
ثم أقول:
أحبك والله في الله، وأستميحك عذرا، وأسألك صفحك عني وحلمك بي، وإني والله أحمل حيالك قلبا نابضا بعرق الثلج، أبيض ناصعا ناصحا لا يذكرك إلا بخير، ولا يشير إليك إلا ببر، وإنه ليحلم أن يلقاك مرتين:
مرَّة، يكون فيها فوك خلوفا عطرا طيبا،
ومرَّة أخرى، وقد تجمَّلت وتعطَّرت ليوم العيد…
ثم هو يسأل المولى القدير أن يريه هامتك عليَّةً، ويُشهده خُيلاءك بين الأشهاد، وأنت تسَّارع إلى الجنان مِن باب الريان، لا تألو على أحد، تردِّد مع الكون أنشودته الأبدية:
رمضان مبارك، وصوم متقبَّل، وشأن عند الله عظيم… ومقام في الفردوس كريم
أخي، صديقي، حبيبي…
هي فرصة أخرى، وهي بركات تترى، تستدعيك لتتأمَّل قول الله تعالى بقلب فياض، وعقل وقاد، ولسان ذكَّار، وأركان موارة فوارة، عمالة صبارة: “سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض، أعدَّت للمتقين”، “أولئك يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون”… جعلك الله منهم، وجعلني ممن معكم
منقــــول لعيونكم