.. زائرة الليل ..
يقول كريم الشاذلي في كتابه أفكار صغيرة لحياة كبيرة:
( التلذذ بالأخذ يشترك فيه معظم الناس .. لكن التلذذ بالعطاء لا يعرفه سوى العظماء )
استحضر هذه المقولة وأنا أسرد لكم حكايتنا لهذا اليوم
الصورة السابقة التقطتها في منتصف عام 1445 هـ – 2024 تقريبا,
وهي لوردة جميلة تقع على الممر الذي كانت تقف عليه تلك الفتاة وكنت أقف أنا على بعد بضعة أمتار منها,
وأراقبها وهي تتلذذ بالعطاء بهمة عجيبة.
رأيتها يوم اثنين من ذلك الشهر وكنا قبيل أذان المغرب,
كان هناك لقاء لعضوات المؤسسة وكن صائمات صيام تطوع كعادتهن,
فأحضرت الفتاة معها إفطار صائم للعضوات الصائمات وكانت تقدمه بحماس وهمة عالية.
قمت بسؤال مسؤولة المتطوعات آنذاك (أ.دلال) عن اسم الفتاة ؟
فقالت لي: اسمها (جابرة عثرات الكرام)
ظننتها تمازحني لكنها أخبرتني أنها لا تعرف اسم الفتاة الحقيقي ولا شكلها -كانت الفتاة منتقبة -.
وزادت .. أن كل ما تعرفه عنها أنها متطوعة أتت عن طريق إحدى عضواتنا الثقاة في المؤسسة
– دعونا نسمي العضوة (أم محمد) –
حيث أخبرتنا (أم محمد) أن هذه المتطوعة لا ترغب في كشف اسمها ولا شكلها,
و لا تريد أن يعرفها أحد ليكون (عملها خالصا لوجه الله وأقرب للقبول) !!
بقي أن أخبركم أن الفتاة صغيرة السن – في المرحلة الثانوية ـ
وقد تطوعت هي مع المؤسسة التي كنت أعمل فيها
بالتكفل ببيع بعض إصدارات المؤسسة, ومساندة الزميلات الموظفات في حال وجود نقص,
كما أنها عرفت بحرصها الشديد على الحضور لــ(دور تحفيظ القرآن) لتواصل عطائها
إذ كانت تعد إفطار الصائمات في المنزل وتذهب للدور وتقدمه للصائمات كل يوم اثنين
باحتساب مستمر وروح وثابة.
–
لهذا لم تجد مسؤولة المتطوعات (أ.دلال) إلا أن تطلق عليها اسم (جابرة عثرات الكرام)
وقبل أن أكتب هذا المقال
تواصلت مع (أ.دلال) قبل يوم,
وتحديدا يوم 13 رمضان من عام 1445هـ / 2024م
وطلبت منها أن تأتيني بخبر تلك الفتاة كاملا.
–
قامت الأستاذة دلال بإجراء بعض الاتصالات حتى تمكنت من الوصول لـ(أم محمد)
حيث أخبرتنا (أم محمد) بتفاصيل أخرى لم تخطر لا على بالي, ولا على بال أ.دلال !!
إذ اتضح لنا أن الحكاية ليست حكاية الفتاة .. بل هي حكاية والدتها!!
تروي لنا أم محمد قصة جاراتها (أم الفتاة) التي جاورتها منذ أكثر من عشرة أعوام
أكثر من عشرة أعوام.. عرفت فيها الكثير من الأحداث دون أن تقولها الأم صراحة
ولولا ثقتي في (أ.دلال) وثقتي في (أم محمد)
وهن من العاملات المحتسبات في المجال الدعوي – ولا أزكيهن -,
ولولا أني رأيت (جابرة عثرات الكرام) رأي العين وهي تعمل بصمت
لقلت أن هذه الحكاية من نسج الخيال
وأن رواتها دراويش أو وعاظ يغلب عليهم الحماس والجهل,
لكنها (الحقيقة) التي شهدها عدد من الأخوات اللاتي رأين تلك الفتاة وأنا إحداهن.
وحتى لا أطيل عليكم دعونا نبدأ الحكاية الحقيقية والتي تفرعت حكاية (جابرة عثرات الكرام) عنها:
(قبل سنوات قريبة كانت هناك أسرة مكونة من أب وأم وأربعة أطفال,
ثلاثة ذكور وهذه الفتاة, وكانوا يعيشون في قرية يغلب عليها الفقر,
توفي الأب وبقيت الأم مع أربعة أطفال بلا عائل, وبرغم الفقر المدقع إلا أنها كانت متعففة ولا تسأل الناس شيئا
مما حدا بأحد سكان الحي أن يأتي إذا أظلم الليل ويضع مؤونة من (طحين) عند باب المنزل لتجدها الأم في الصباح.
كان فاعل الخير يأتي كل بضعة أيام.
والعجيب أن الأم رغم الفقر المدقع, إلا أنها كانت تضع للأطفال ما يكفي يومهم,
وتعمد إلى باقي الطحين فتخبزه وتقسمه في أكياس, ثم إذا جن الليل ذهبت به إلى من تعرف من الأسر الفقيرة وأعطتهم إياه!!
( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )
فإذا ما سألها أحدهم عن اسمها؟
كانت ترد بجملة واحدة: أنا أختكم (المستورة).
فأصبح فقراء ذاك الحي لا يعرفون عن (زائرة الليل) إلا أنها (المستورة)
وبقدر ما كانت تعطي للفقراء .. بقدر ما كان فاعل الخير يزيدها بأصناف أخرى من الطعام
ولم تترك عادتها تلك حتى بعد أن فتح الله لها باب فرج .. وصب عليها الرزق صبا,
وهي ثابته على عطائها!!
أصبحت تصلها مبالغ مالية بدلا عن الطعام ..واستمرت تواصل اقتسامها مع تلك الأسر الفقيرة !!
حتى حصلت على مبلغ مالي كبير ذات يوم فقررت أن تشتري به بيتا متواضعا في مدينة الرياض لأجل أبنائها.
انتقلت (المستورة) للعيش في الرياض, وفتحت لها ولأبنائها الذكور أبواب الرزق على مصارعها.
ورغم الغنى الذي عاشت فيه بعد انتقالها للرياض
إلا أنها لم تتنازل عن حياة التواضع بل وبدأت رحلتها مع ابنتها
إذ لاحظت أن هناك عادة عند النساء في (دور تحفيظ القرآن) وهي صوم يوم الاثنين تطوعا,
فأصبحت تقوم بصنع بعض الوجبات لهم – إفطار صائم – وتشرك ابنتها معها في الإعداد والخروج لإفطار الصائمات
وهي تجمع في ذلك بين (التطوع) و(صدقة السر).
إذ لم يكن أحد يعرف شكل ولا اسم تلك المحتسبة..
ووجود امرأة منتقبة في دور التحفيظ أمر ليس بغريب,
إذ من عادة بعض النساء عدم كشف الوجه حين لا يمكثن في المكان إلا وقت قصير.
–
ونشأت الفتاة الصغيرة في هذا البيت وأمها هي القدوة لها,
وحينما انتقلت للمرحلة المتوسطة اذهبت لمديرة المدرسة التي لاتعرفها وأخبرتها
أنها تعرف فتاة تحب المشاركة في البازارات والاحتفالات الخيرية
لكن تلك الفتاة لا تحب أن تكشف عن نفسها ولا اسمها
– كانت تعني نفسها –
رحبت المديرة بالفكرة وأصبحت تستعين بتلك الفتاة المجهولة .. بما قالته عنها طالبتها الصغيرة المتدينة
وحيث أن المديرة لا تحضر تلك المناسبات شخصيا, فقد وجدت (جابرة عثرات الكرام) بغيتها
تشارك في المناشط الخيرية دون أن يعرفها أحد إلا من عرف عادة أمها من جاراتها المقربات
وكانوا يحترمون رغبة الفتاة بعدم الكشف عن هويتها.
وحينما انتقلت الفتاة للمرحلة الثانوية..
قررت الأم أن تخرج ابنتها من نطاق (المدرسة ودور التحفيظ) إلى التطوع في (المؤسسات الدعوية )
فلم تجد إلا الاستعانة بأم محمد, حيث أن أم محمد لها سبق قدم في العمل الدعوي والتطوعي.
–
أشارت عليها (أم محمد) أن تسمح لأبنتها بالتطوع في تلك المؤسسة – التي أعمل أنا فيها –
وذلك ببيع اإصدارات المؤسسة ومساندة الداعية التي تملك المؤسسة في محاضراتها.
فكان أن وافقت (المستورة) على مشاركة (جابرة عثرات الكرام) في التطوع لدينا في المؤسسة
فأكرمني الله بأن رأيت هذا النموذج العجيب رأي العين.
تقول أم محمد: (كل ما رأيت هذه المرأة الصالحة – ولا نزكيها-
شعرت أنها جاءت من عهد الصحابة والسلف الصالح, فكل ما تفعلها عجيب في زمن كهذا.)
وصدقت والله
هذه المرأة أتت سابقة لعصرها ..
نسأل الله لها الثبات
كانت هذه الحكاية أما الآية
(…..فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
(العنكبوت : 17 )
–
لا أخفيكم أني احترت كثيرا في ختم الحكاية بآية تناسبها
لكني أجد الآية السابقة هي الأقرب
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له،
ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه و أتته الدنيا وهي راغمة )
– صححه الألباني –
وقال ابن القيم رحمه الله :
(إذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة ،
وإذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد على موائد الآخرة.)
يا أحباب
نحن أمام امرأة ..
قرأت قوله تعالى (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) .. فآمنت بها واستيقنتها
نحن أمام امرأة ..
قرأت قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) .. فطبقتها.
نحن أمام امرأة ..
عاشت بـشرط (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ) .. فكان لها مصداق الوعد (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
نحن أمام امرأة ..
جعلت (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ) .. منهج حياة
فلم يغيرها فقر ولا غنى .. وصب الله عليها الرزق صبا
لنرحل سويا مع هذه الآيات .. وأسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يستظل بظلها
………………………….
ما وافق الحق من قولي فخذوه .. وما جانبه بلا تردد اجتنبوه
كتبته | هند عامر
ما وافق الحق من قولي فخذوه .. وما جانبه بلا تردد اجتنبوه
كتبته | هند عامر
😐
بارك الله فيك وفي كتاباتك الرائعة والمبدعة
أسأل الذي لم تنم عيناه أن يجمعني وإياك والمسلمين في دار الكرامة إنهُ جوادً كريم
أسأل الذي لم تنم عيناه أن يجمعني وإياك والمسلمين في دار الكرامة إنهُ جوادً كريم
بارك الله فيك ووفقكى لمايحب ويرضى انه هو الغفور الرحيم
نسأل الله لها الثبات ولنا ولجميع المسلمين الهداية وجزاك الله خيراا
نسأل الله لها الثبات ولنا ولجميع المسلمين الهداية وجزاك الله خيراا
ما شاء الله ربي يثبتها قصه معبره وهادفه
ربي يوفقك يا غاليه
ويزيدك من الخير اجزله
ربي يوفقك يا غاليه
ويزيدك من الخير اجزله
يضاف لفهرس المواضيع المميزه
+يثبت لمدة 3 ايام
يعجز القلم واللسان ايفائك حقك من الشكر لما تقدمه اناملك من ابداع
طرح موفق
نفع الله بك
ماشاء الله الله يجزيها خير قصة جداً راائعه
جزاك الله خير على النقل الهادف
"
بإطلالتكم تربُو أفراحيّ
رددتّ آمينَا لدعوآتكم :* وأوتيتم مثلِها أضعآفًــا مضــآعفة
ووهبكم الله سعادًة ورزق تجُاوزُ ذا الأفق الرّحيب !
،
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ما شاء الله
نسأل الله لها الثبات
بارك الله فيك يا غاليه ع النقل المميز
ووفقك الله لما يحب ويرضى
ما شاء الله
نسأل الله لها الثبات
بارك الله فيك يا غاليه ع النقل المميز
ووفقك الله لما يحب ويرضى
بارك الله فيكي وجزاكي الله كل خير
وربنا يجعله في ميزان حسناتك
.
حفظ الله قلوبكم وأسعدكم حيث كنتم
دوما بهية طلتكم وتنعش متصفحي
حفظ الله قلوبكم وأسعدكم حيث كنتم
؛