كانت الساعة الثامنة مساءً , الطريق المؤدي إلى البيت مكتظ بالمركبات, عدد المركبات مهول جداً , بالكاد استطعنا أن نجد مكان نوقف فيه السيارة , قد يكون عند أحد جيراننا وليمة أو مناسبة ما , لا أدري !! فتح والدي الباب بينما كنا نهم بالدخول وقد بدا أنه خارج لزيارة أحد ما ,حدث أخي بصوت منخفض ,اصطحبه .. وذهبا , اعتقدت ساعتها أن جارنا لديه مناسبة مهمة وقد دعا والدي إليها !
في البيت التقيت إحدى أخواتي , لم يكن الوضع طبيعياً , فأختي قد بدت عليها علامات الدهشة , بادرتها والدتي بالسؤال أحدث شيء ؟!بعد برهة ,قالت : ماجد أبن جارنا فلان قد توفي !
شعرت بحزن غريب فالخبر لم يكن متوقعاً / لكنه الموت لم يكن لينذر أحد بقدومه !
ماجد هذا شاب في الواحد والعشرين من العمر هادئ الطباع طيب القلب , لم يكن ماجد مكترثاً لأمر الدراسة كثيراً , لم يفلح في إكمال المرحلة المتوسطة فقد أنهى دراسته عند الصف الثاني متوسط معللاً ذلك بأن أمر الدراسة لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد ا! بعدها ضل ماجد عاطلاً عن العمل لوقت طويل ثم التحق بوظيفة تتبع القطاع الخاص بأجر زهيد جداً , كانت حياة ماجد باختصار / تسير كيفما اتفق !
طلبت والدتي منا أن نذهب معها من أجل تقديم واجب العزاء , أختي التي تصغرني بعامين رفضت الذهاب بحجة أنها لا تحتمل مشاهدة مواقف كهذه , أما أنا فقد ذهبت مع والدتي .
في المكان المعد لاستقبال المعزين كانت الكلمة الأولى للصمت إذ لا احد يتحدث وليس ثمة صوت سوا صوت الناحبين , الجميع يبكي , عدا امرأة واحدة تجلس في الركن هناك , شديدة النحول وجهها شاحب وعيناها تميلان إلى الاحمرار هذه السيدة كانت والدة ماجد , احتضنت والدتي بقوة وبكت والدتي طويلاً , وأم هذا الراحل لم تنطق ببنت شفة ولم تدمع عينيها ألبته, جلستُ أنا بالقرب منهما أي والدتي والسيدة المكلومة , وبقيت أرقب الحضور وأتفحص وجه هذه المرأة , صعبة الحزن !
بعد برهة دخلت سيدة طاعنة بالسن أفسحَ الحاضرات لها مكان بجانب أم ماجد كانت هذه العجوز تبكي بحرقة وألم , وتتحدث كثيراً.. كثيراً جدا !! هذه المُسنة , تحكي حوادث تعرض لها ماجد في طفولته ونجى منها , كانت تقول لأمه أتذكرين يوم أن مرض وهو صغير وكيف اعتقدنا يومها انه سيموت وكيف انه نجى من ذلك المرض!
أتذكرين يوم أن سَلِم من حادث سيارة مريع ,لم يكن احد يعتقد انه سيعيش جراء ذلك الحادث الأليم !!أتذكرين ؟!! وبعد صمت قليل قالت : ليته لم ينجو !!!!! وبكت طويلاً ثم سكتت !
والدة ماجد ضلت تلتحف الصمت طوال مكوثنا هناك , وأنا تكتنفني الدهشة فالحزن مهيب جداً في ذلك المكان , طوال عمري لم اشهد حزنا كثيفا كهذا !!
والحيرة تكاد تقتلني وأنا أتساءل .. كيف مات ماجد أهو حادث سير أم ماذا ؟ ولماذا تمتمت تلك المسنة بمقولة : ليته لم ينجو !!!
لكني في الوقت نفسه لم أكن لأجرؤ على السؤال فوجوه الحاضرات كانت عميقة الحزن بالغة الدهشة والوجوم, وهذا مشهد لم يجعل من السهل علي أن أتقدم بسؤال أحداهن ؟ لذا فضلت الصمت !
خرجنا عائدين من العزاء , في الطريق كنت أحاول أن أجرُ والدتي للحديث..
_ سألتها / من تلك السيدة التي تحدثت كثيراً؟!!!
_ أجابت والدتي : هذه جدته لأمه .
_..أمي .. كيف مات ماجد ؟
_ لا أعلم _ اعتقد انه حادث سير !
لم تكن أمي ترغب بالحديث , كانت حزينة جداً , وحزن الأم مؤلم أبداً
في البيت التقيت ب أخي ..مباشرة سألت _ كيف رحل ؟!
وجه أخي كان كئيبا وبدا عليه الحزن ولم يشأ أن يجيب ساعتها , وظل صامت لوقت طويل , إلى أن قطعت والدتي هذا الصمت بسؤاله مرة أخرى ..
_ كيف مات ماجد ؟!
التفت أخي إليها وقد علا وجهه الألم وقال : قضى في العراق !! قضى في العراق !!!
وقع هذه الكلمة على مسامعنا كان أليماً وثقيلاً, كادت الدهشة أن تصبنا بالجنون
ماجد ذلك الشاب الوديع ً, لم يكن متوقعا حدوث أمر كهذا ومن ماجد تحديدا !!
كانت ليلة عاصفة ,كئيبة وطويلة جداً !!
دخلت غرفتي أغلقت الباب ,الغرفةُ .. باردة جداً رغم أنا في فصل الصيف والجو حار جدالكن البرد يكاد يثقب أضلاعي !! التحفت بطانيتي توسدت وجعي , في محاولة يائسة مني للنوم
.
.
أغمضت عيني أحاول الهرب من عينيّ أمك ياماجد لكني لم افلح فصورتها متجلية أمامي بوضوح وصوت الناحبين له دوي في أذني , وأنت .. نعم _ أنت .. تقف في جميع زوايا غرفتي , وعلى محياك ابتسامة هادئة وبالرغم من أني أغمضت عينيّ ضللت أراك .. أراك كما لو انك أمامي فعلاً !!
.
.
ساعة الفجر أزفت/ وأنا لا ازال أحاول أن أجد للنوم سبيلا , ولكن كيف للعين أن تغفو وكيف للأذن أن تستريح وصوت المروحيات ينكأ الجراح وسيارات الأمن الخاصة تملاء الطرقات؟!!
المروحيات تلك التي حامت في السماء منذ الساعات الأولى لفجر ذلك اليوم , رغم أن الجميع تساءل عن سبب وجودها إلا انه لم يخطر ببال احد أن _ ثمة خطب قد حدث .
المروحيات ياماجد إلى ساعتي هذه وهي تثير فزعي , كلما مرت فوق سماء الحي
قسراً تجرني لتذكر ذلك اليوم , يوم أن قضيتَ هناك ..تحت مسمى الجهاد !!
اليوم وبعد مضي عامان ونيف على رحيلك ماجد ,, سأُحدثك عن أمك قليلا _ فهي لا تزال نحيلة وشاحبة بل إن نحولها يزداد شيئاً فشيئا, والدتك تعتكف داخل كهف من الحزن أسود , تمضغ الألم والحسرة والانتظار صباح مساء ليس من اجل رحيلك وحسب بل أيضا من اجل أخوتك الثلاثة الذين يقبعون الآن داخل السجن و قد اعتقلوا بعد مضيك بأشهر قلائل حيث عُلم أن لهم نفس التوجه ولديهم نشاط مريب مع جماعات مشبوهة !
.
.
.
.
.
.
مذ رأيت والدتك ماجد / شعرت أنها امرأة آيلة للحزن../ فكان الله لها
.
.
هذا .. مالم اقله من قبل!!
.
.
حقيقةٌٌ/ ليس للخيال فيها متسع .
كتبت على أعقاب صوت مروحية ..حلقت فجر الأمس !!
.
.
ألم أقل لك ،أنها تنكأ الجراح؟!!!
.
.
.
رحمك الله وغفر لك
🙁 رائعه
الله يعطيك العافيه
~
فالحزن مؤلم
وهناك الكثير من النساء .. يرتشفن الحزن منذ الولادة وحتى الموت
يعطيك العافية على القصة
احترامي
🙂
اللهم يجبر كسرهافالأمر وقعه عظيم والله
يعطيك العافية على طرحك
بســم الله
كثير قضوآ بـ مسمـى الجهـــآد 🙁
و للأسف أهلهم يتضررون بعد رحيلهـــم
الله يرحمنـــآ برحمته
يعطيك العــآفية .. رآئعــــة
,’
يعطيكم العافيه على طلتكم
نورتوني
ربي يسعدكم
ـلكم ـالورد }
~