مشكلة الشعور بالوحدة النفسية. إن الشعور بالوحدة النفسية حالة ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بسبب
امتلاكه نظاماً اجتماعياً ، يتأثر به ويؤثر فيه وأي خلل قد يحدث في الأواصر التي تربط الإنسان بغيره من أبناء جنسه و أي
تغير يحدث في النظام الاجتماعي ، ينعكس على الفرد ، وينتج عنه اضطراب في الطابع الاجتماعي المكتسب لدى الأفراد ،
ما يولد لديهم الشعور بالاغتراب أو الانعزال أو معاناة الوحدة النفسية وكما تترك آثارا على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر
على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى.
أشارت نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط موجب بين إحساس الأبناء بالوحدة النفسية ومتغيرات اضطراب العلاقات الوالدية
والتفكك الأسري والاتجاهات السلبية التي تتمثل في إثارة الألم النفسي والقسوة والتفرقة والإهمال والتذبذب في المعاملة..
وتنشأ الوحدة النفسية بسبب عدم رضا الفرد عن علاقاته الاجتماعية ، حيث يشير كوفيل وأكاماتسو (Cuffel & Akamatsu )
إلى أن أفضل أسلوب لتقييم الوحدة من خلال مستويات الرضى عن العلاقات الاجتماعية . فالوحدة ترتبط ارتباطاً عالياً بالرضا
عن العلاقات الاجتماعية أكثر منها بأي مستوى مطلق من العلاقات الشخصية.
وقد وصف جونز (Jones ) مشاعر الوحيدين على لسانهم ، ومنها العجز ، وانعدام الأهمية ، والانفصال ، والتعاسة ، والرفض .
كما ذكر الوحيدون أن أحداً لا يقبلهم أو يحبهم أو يفهمهم وأنهم ضجرون) .كما اتجه الباحثون إلى دراسة الوحدة النفسية
باعتبارها نتاجا للعلاقات الانفعالية والاجتماعية غير المرضية فضلا عن اتسامها بخاصية الإشباع الى جانب ذلك وصف بعض الباحثين
الوحدة النفسية بأنها حالة تترسب تدريجيا في نفسية الفرد نتيجة تعرضه لظروف ذات خاصية معينة
مفهوم الوحدة النفسية Loneliness
هي المشاعر الناتجة التي تعكس افتقار الشخص لشيءٍ ما في حياته ، أو كون الشخص لا يعالج حالات أو ظروف معينة معالجة
صحيحة . (الوحدة) تعني في اللغة : (الإنفراد) أي أن يكون الرجل في نفسه منفرداً والوحيد أي (المنفرد) يقال توحد فلان برأيه
أي تفرد به ، وفلان (واحد) أي لا نظير له .
ومن أعراض الوحدة النفسية ، الشعور بالعزلة ، والاكتئاب ، والاغتراب والوحشة حتى في حضور الآخرين والانطواء .
يتضح أن هناك تداخلاً بين مفهوم الوحدة النفسية وبين كل من مفهوم الاغتراب والانعزال والاكتئاب والانطواء ،وان لكل من هذه
المفاهيم عناصر مكونة ،أو تسهم في تكوين الوحدة ،وان من الخطأ استعمال أي من هذه المفاهيم منفصلة للتعبير عن الوحدة النفسية وفيما يأتي توضيح لهذه المفاهيم:
أ- الاغتراب (Alienation) :
وهو اضطراب نفسي يعبر عن اغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع والمجتمع ، وهو غربة عن النفس وعن العالم ، ومن أهم مظاهره
(العجز ، اللاجدوى ، أللانتماء ، الانسحاب ، الانفصال ، السخط ، الرفض ، العنف ، احتقار الذات ، كراهية الجماعة، والتفكك)
ولها عدة أشكال منها الاغتراب الديني ، الاتراب الفكري ، والاغتراب الاجتماعي ، والإغتراب االثقافي .
ب- الاكتئاب (Depression):
ينشأ الاكتئاب نتيجة للتعب الانفعالي ، ويمكن إن تكون خبرة محطمة ، وقد تكون تعبيراً عمّا يعانيه الفرد من إرهاق والوحدة
النفسية تُعد أحد أسباب الاكتئاب ، وتمثل عرضاً من أعراضه .
جـ. الانعزال (Isolation):
هوعدم الاتصال بالجماعات البشرية بسبب عوامل جغرافية أو اجتماعية ، ويعني عدم مشاركة الفرد في شؤون الجماعة لعدم قدرته
أو رغبته في ذلك . وتتمثل حاجة الفرد للاختلاء بنفسه حاجة ملحة أخرى ، وقد يشعر الفرد المنعزل بالقلق المفرط إذا نظر إليه
الآخرون ، ويؤدي الاكتفاء بالذات والاختلاء بالنفس إلى تطمين حاجته البارزة في الاستقلال التام بذاته .الوحدة النفسية مختلفة
جدا عن العزلة.فالشخص يمكن إن يشعر بالوحدة في الزحام.
د- الانطواء :
هو نمط من أنماط الشخصية ، والمنطوي فردٌ يُؤثر العزلة والاعتكاف ، ويجد صعوبة في الاختلاط بالناس ، يقابل الغرباء بحذر
وهوخجول شديد الحساسية ، يجرح شعوره بسهولة ، وكثير الشك ، ويكلم نفسه ، يستسلم لأحلام اليقظة ، يهتم بالتفاصيل ويضخم
الصغائر ، دائم التأمل في نفسه وتحليلها ، ولديه رغبة في الانعزال والوحدة ، ويتجنب التماس مع الواقع إلاّ بأقل قدر لازم.
– أشكال الوحدة النفسية Forms of Loneliness
هناك بعض الدراسات قد ساهمت في وضع تصنيفات لأشكال الوحدة هناك نوعين متميزين من الوحدة ، هما :
1- الوحدة العاطفية
تنشأ جرّاء الافتقار إلى صلة حميمة ووثيقة بشخص آخر ، فالأفراد الذين قد انفصلوا عن أزواجهم بالوفاة أو أنهوا علاقة طويلة ،
يعيشون هذا النوع من الوحدة النفسية .وكذلك فقدان العلاقات الودودة والحميمة بشخص معين ، كالوالدين ، أو شريك يشاطر
الشخص تجاربه العاطفية العميقة ، ويشاركه السكن ، ويتحمل معه أعباء ومسؤوليات العمل التي لا يستطيع أن يتحملها بمفرده
قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة العاطفية .
2 – الوحدة الاجتماعية
أما هذا النوع من الوحدة فينشأ من الافتقار إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية ، يكون الفرد فيها جزءاً من جماعة الأصدقاء ويتشاطر معهم
مصالح واهتمامات مشتركة والأفراد الذين ينتقلون منذ فترة قصيرة إلى بيئة اجتماعية جديدة (كمدينة جديدة أو عمل جديد) يعيشون هذا النوع
من الوحدة . حيث ان من يفتقد مجموعة من الأصدقاء والأشخاص الذين كانت تربطهم به صداقات أو علاقات اجتماعية بسبب الانتقال إلى
مكان جديد او تغيير سكن او غيرها ، فإن الفرد في هذه الحالة وبحسب تصنيف (ويز) يتولد لديه شعور بالوحدة الاجتماعية .
– أسباب الوحدة النفسية
ان الشعور بالوحدة النفسية ليس له سبباً واحداً ، وللوقوف على أهم الأسباب والعوامل التي تشكل أو تؤدي إلى شعور الفرد بالوحدة
النفسيةهناك بعض الدراسات والبحوث التي اهتمت بتشخيص أسباب الوحدة النفسية ، التي اتفقت معظمها تقريباً ، على أن من أهم
أسباب الوحدة هي الحاجة إلى الأواصر والعلاقات الاجتماعية والعاطفية وقد يرجع سبب الشعور بالوحدة النفسية من قلة العلاقات
الحميمة بمعنى أن الإنسان لا يجد الصديق الوفي المخلص المتعاون الصادق الذي يمكن أن يثق فيه .
ومن الأسباب التي تؤدي إلى وحدة الإنسان وعزلته اعتلال الصحة وضعفها ، أو موت شريك أو صديق عزيز ، أو الانتقال إلى مكان
جديد أوالهجرة الدائمة أو المؤقتة ، كالهجرة إلى الدراسة أو العمل ، والحركة الدائمة التي جعلت كثيراً من الناس أن يقطعوا صداقاتهم
السابقة وأن يتحللوا من الروابط الأسرية ، وانصراف الأبناء عن الأسرة ، وقد ترجع الوحدة إلى التقدم بالسن .
وقد ترجع الوحدة إلى التكوين النفسي للفرد نفسه حيث يفضل بعض الأشخاص الوحدة والعزلة والانسحاب من معترك الحياة الاجتماعية
أو يفتقدون الشعور بالثقة في أنفسهم أو يشكون في نوايا الآخرين نحوهم ، أو يشعرون بالتعالي عن الآخرين ، أو لشعورهم بالفقر
أو العجز عن مجارات زملائهم ، أو رفض مخالطة أقران السوء ، وقد يكون الشخص الذي يشعر بالوحدة فيه من السمات والخصائص
المُنفِّرة مما تجعل الناس ينفرون منه وينصرفوا عنه ولا يقيمون معه علاقات لاتصافه بالكذب والاستغلال والابتزاز والوشاية والغيبة والنميمة .
وهناك سبب شائع للوحدة النفسية ، هو الاعتقاد أن أحداً لا يقدر أن يفهم أو يولي اهتماماً بالذات الداخلية للفرد عندما تزول كل الأشكال
المصطنعة للذات. وأن الاعتقاد بأن الذات الداخلية مكروهة وان مصيرها الرفض ومنع مشاركة الذات الداخلية مع الآخرين مشاركة حية يؤدي
بدوره إلى الشعور بالوحدة .
– علاج الوحدة النفسية
يهمنا نحن المسلمون أن الشريعة الغراء قد سبقت في الحث على ذكر الله وإقامة الصلاة ونوهت بدور الإيمان والخشوع في راحة النفس؛
قال تعالى:( "الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ. الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ طُوبَىَ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" )
ومن توجيهات القرآن الكريم أن الخشوع في العبادة مفتاح السعادة. قال تعالى:( "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ" )
القرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات والوساوس كلها؛ القهري منها وغيره, وشفاء للأبدان من الأسقام، فمتى استحضر العبد
هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان: الشفاء العلمي المعنوي والشفاء المادي البدني بإذن الله تعالى..، والشفاء بالقرآن يحصل بأمرين:
الأول القيام به وخاصة في جوف الليل الآخر مع استحضار نية الشفاء, والثاني الرقية به"
ثم التوكل على الله: والتوكل في لسان الشرع إنما يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده،
فذلك سر التوكل وحقيقته.
شكرا لك
يعطيك العافيه
يعطيك العافيه