تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تمحيص القلوب بالشدائد والفتن

تمحيص القلوب بالشدائد والفتن 2024.

الحمد لله ربّ العالمين … والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين .. وعلى آله وصحبه أجمعين … وبعـــد :

فقد نرى أحيانًا من يفعل خيرًا ، أو يظهر عليه من صفات الصالحين ، وقد يدَّعي ذلك ناسبًا لنفسه الصلاح ، ناسيًا أو مُتناسيًا قول الله تعالى : {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ، فنعدّه من الصالحين ، ونُلحقه بهم حتى يُمتحن ذلك الرجل … فيظهر ما خُفي عنَّا …

فردود أفعالنا عند تعرضَّنا للشدائد والفتن في الحياة تكشف حصيلة الإيمان عند كلِّ واحدٍ منَّا ، وتكشف زيف ادعاءاتنا ، وتُظهِر على السطح خبايا في القلبِ كانت غائبة عن الأنظار والأسماع … لم يطَّلِع عليها إلا خالق القلوب … والمطَّلع على السرائر …

تطلق عنانها هذه الشدائد والفتن … فتكشف عن وجهها القبيح … ليتأمل الفطِن في الحكمة العجيبة في إرسال الشدائد والفتن للعبِاد …

فهي التمحيص لما في القلوب … وبها يحين وقت تقديم البرهان لما نقوله وماندَّعيه من إيمان …

فهناك من الراكعين الساجدين الذين ظاهِرهم يوحي إليك بالتقوى والصلاح … إذا زلزته شدة ، وأطبق بخناقه كرب كشف عن سريرته التي تخالف علانيته … وأماط اللثام عن قلبٍ لم يرتوِ من نبع القرآن … وأوضح بأوضح وصف أن ما كان عليه من عبادة لم يخالط قلبه ولم ينبع من إيمانٍ ثابتٍ صحيح …

فإذا بصراخه يملأ الأنحاء … كاشفًا عن إيمانٍ مهزوز … وجهلٍ مُدقعٍ بالله تعالى …

يعبده في رخاءٍ فإذا أتاه البلاء انتكس على عقبيه … وملأ الفضاء بسخطه من الله تعالى … وسكب على الأسماع كلمات التبرُّم من قدر الله تعالى والإعتراض عليه …

وإذا أتـته فتنةٌ في الدين قد تاه الناس في ظُلمتها تاه معهم ، ومال إليها … فأُشْرِبها قلبه … فمال الهدى عنه ، وانتحى الفلاح جانبًا بعيدًا منه …

امتُحِن فيما يقوله ومايظهر منه من سيما الصالحين … فخسر في الإمتحان …
وتخلَّف عن ركبِ الصادقين … الذين هم مع الله عند الشدة كما هم عند الرخاء … وعند الفتنة كما هم عند العافية …

لم يتشرب قلبه ضياء القرآن وإن تلاهُ ليل نهار … ولم يستضئ بنور السنة وإن تبحَّر في تعلُّمها …

ما علِمَ أنَّ التلاوة والتعلُّم يجب أن يرافقهما تدبُّر وتأمُّل … ويعقبهما عمل … وقبل هذا ومعه وبعده افتقار وتضرُّع واعتصام بالله تعالى ومواصلة في إظهار الفقر له وطلب الهدى منه …

فأفضل مَن عَبَدَ الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان يفعل هذا ، فكان في التدبُّر سيد المتدبرين ، وفي العِلم والعمل إمام العلماء العاملين ، وفي الإفتقار إلى الله تعالى والبراءة من حَولِ نفسه وقوته أكثر الملازمين … لم ينقطع عن اللجوء إلى الله تعالى والإستعاذة به من الفتن وسؤاله أن يثبت قلبه على الهدى وأن يؤتيه من اليقين مايهوِّن مصائب الدنيا …

فمالك لا تقتدِ به !..
أعُصمْتَ من الشدائد !.. أم عندك من الله عهدٌ أن لا تصيبك الفتن .!

قال تعالى : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ( 2 ) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( 3 )} [سورة العنكبوت]
قال الإمام السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير الآية : […. سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق .. وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر]

..

ألا فإنَّ الشدائد تنزل بساحة كلِّ حيٍّ ، والفتن تهجم على كلِّ دارٍ ، فما أحوجنا إلى الله تعالى ، وإلى عبادته ظاهرًا وباطنًا ، وإلى الإعتصام به وبكتابه وسنة نبيّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ونبذ الإغترار بأعمالنا والإتكال على أنفسنا …

اللهم اجعلنا من الشاكرين الصابرين عند الشدائد

إنتقاء طيب
بارك الله فيك ونفع بك

كلام رائع وجميل جعل الله كل ما تكتبينه شاهد لك لا عليك –بانتظارجديدك

اللهم أرزقنا الصبر واليقين

وزكي نفوسنا

جزاك الله خير ونفع بك

نسأل الله أن يصلح حاالنا

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.